«تظاهرة مسرح الطفل السوري».. الأحلام بين الركام

04-08-2014

«تظاهرة مسرح الطفل السوري».. الأحلام بين الركام

بعيداً عن إملاءات التعلم، وعن مصادرة الفكرة، إذ تتكون الفكرة عن المكان من غير إحالات قرائية، تتكشف أهمية تظاهرة «مسرح الطفل 10- 30/ تموز» ليصبح الطفل لسان حال الأشياء، لسان حال الحلم، والهروب من القسوة اليومية التي تصادر وعيه في نشرات الأخبار الدموية التي استخدمت الطفولة سياسياً، مطوعةً آلة القتل العمياء لإنجاز المجزرة تلو المجزرة، وصولاً إلى ما يقـارب مـليون طفل سوري قضوا أو نزحوا مع عائلاتهم إلى دول الجـوار، أو تـم تجنـيدهم في جماعات من قبل تنظيمات متشددة دينياً بعد تهديم بيوتهم ومدارسهم وأماكن لعبهم.الفنانة رنا صعب مع دميتها «شموسة»
تبدو هنا «تظاهرة مسرح الطفل السوري» أقرب إلى مساحة حلم بـين ركـام المـدن التي لم تعد موجودة على امتداد مساحة البلاد الغارقة في نوافير الدم، منذ قرابة ثلاث سنوات ونصف؛ فماذا يفعل المسرح هنا؟
 لا يلوي الأطفال السوريون على شيء، إنهم يصفون عالمهم المتخيل، ينطقون باسم الشجر والحجر، باسم البيوت، يندفعون في مونولوجاتهم، وكأنهم كتّاب بدرجة ممتازة، حيث لم يكتب لهم أحد، ولم يدلهم أحد على نقطة البدء، ولم يدفعهم أحد إلى التفكير في القصة، أية قصة؟ القصة هنا قراءة عن ظهر قلب للمأساة في العروض التي انتشرت في «مهرجان مسرح الطفل» في كل من دمشق والسويداء والقامشلي والحسكة وحماة وطرطوس واللاذقية؛ جنباً إلى جنب مع أنشطة موازية للعروض التي قدمها نخبة من فناني مسرح الطفل في سوريا.
طيلة فترة التظاهرة التي أتت مع بدء العطلة الصيفية توزع قرابة ثلاثين عرضاً مسـرحياً على المدن السوريـة تنوعـت بـين مسـرح دمى «الجاوا» و«الماريونيت» ومسرح «الكبار للصغار» و«الصغار للصغار»، إضافةً إلى المسرحيات الاستعراضية ذات الصبغة الاحتفالية؛ حيث بـدأ كرنـفال الطـفولة هـذا في «مسرح القباني» بعرض «قبعة الإخفاء» لمؤلفـه ومخرجـه خوشـناف ظاظا الـذي آثـر في مسرحيته هذه التفرد بمسرح الحكاية والعبرة؛ مقدماً تقنيات وأدوات ممثل عالية المستوى، في مخاطبة الجمهور المتفرج؛ عن رعشة الخوف الأولى مـن مـجردات تطـفو حول الكائن الصغير، الكائن في يناعته، في شغبه المرح وهو يترجم المشـهد، يـترجـم النار، يترجم الدم المسفوك جزافاً، يستغرب، ويحتج على طريقته، فليـس من لغةٍ مسرحية جوفاء يندفع إليها هؤلاء، كما في مـسارح الكبار، المسارح المزيفة، والمتفاصحة على جمهورها.
المسرح في «تظاهرة الطفل» مسرح المحكية الساخرة، بل هو المسرح في أصدق تجلياته وأكثرها حساسية، ليـس لأننا كـنا أمـام عروض للأطفال، بل لأن مسرح المتفرج الصغير قادر على ابتكار جمهوره البعيد عن أمراض النخب المسرحية وتنظيراتها عن «أزمة المسرح».
فرقة « شارلي شابلن» لمديرها الفنان نزار البدين قدمت بدورها عرضاً احتفالياً على مسرح الحمراء بعنوان «شارلي ورفاقه في السيرك»، حيث أبرزت هذه الفرقة مهارات عديدة ومتنوعة في مجال الأكروبات ومسرح الدمى البشرية؛ وقدم «مسرح العرائس» عرضاً بعنوان «يحيا السلام» لكاتبه كمال بدر ومخرجه طلال لبابيدي عبر إعداد جديد لحكاية «بائعة الكبريت» التي روتها دمى الكف ودمى الماريونيت.
الفنان محمود عثمان قدم عرضه الأحدث أيضاً على خشبة «مسرح القـباني» تحت عنوان «سكان البحر» عن نص لكمال البدر؛ وهي مسرحية عرائس استعان فيها عثمان بأداء محركي دمـى «الجـاوا»، حـيث شـارك كل من الفنـانين رنا صعـب وإيمـان عـمر وأيهم جيجكلي وآلاء مصري زادة في هـذا العرض الذي رافقه رسم على الوجه واشتغال على مادتي الصلصال والفخار وتدوير مواد تالفة.
إضافةً إلى سرد قصصي قُدِّم على «مسرح القباني» أيضاً وشاركت فيـه مجموعة من نجــوم مسـرح الطـفل في سـوريا؛ عـملوا على إعداد توليفة واسعة من الفـعاليات التي تسعى لتقديم تجربة أقرب إلى المسرح التفاعلي؛ لكن غياب تظاهرة مسـرح الطفل لهذا العام عن مراكـز الإيـواء كـان نقـصاً فادحــاً في نظـرة القائمـين على هـذه التظاهرة التي اقتصرت على مسارح الأماكن الآمنة.

سامر محمد إسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...