تأريخ سريع لحركات مسلحة

16-07-2014

تأريخ سريع لحركات مسلحة

الجمل ـ بشار بشير: بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان المزاج الإجتماعي العام يريد أن ينسى الحروب وويلاتها و يحضر نفسه لعالم بلا حروب بعد أن نال كفايته وزيادة منها ومن ضحاياها . لكن السياسة كان لها رأي آخر إذ سرعان ما اندلعت بعد الحرب الكبرى عدة حروب إقليمية في كورية وفيتنام والمنطقة العربية وغيرها . المزاج العام (وخاصة الغربي) الذي كان يريد الخلاص من الحروب ونسيانها كان رده الأولي سلمياً عبر حركة انتشرت عالمياً ودعيت " الهيبيز "، وهي حركة تدعوا لعيش الحياة والإستمتاع بها بشكل سلمي بعيد عن الضوابط الإجتماعية المعتادة التي أصبحت هي وكل المبادئ الأخرى محل إنتقاد بعد الحرب .

رغم الإنتشار الكبير لحركة  رئيس وزراء ايطاليا السابق ألدو مورو"الهيبيز" إلا أنها لم تكن ذات تأثير خارج إطار معتنيقيها من الشباب، على كل هي لم تكن حركة ذات إيديولوجيا أو مبادئ أو أهداف كانت مجرد هروب للشباب من شبح الحروب ومن قيود المجتمع . سرعان ما اتضح أن التغيير الإجتماعي لا يمكن أن يحصل عبر حركات سلمية مائعة وخاصة في عالم كان يتجه أكثر فأكثر نحو العسكرة ونحو سطوة أجهزة المخابرات، وهكذا وخلال فترة قصيرة ولدت العديد من المنظمات والحركات الثورية التي تعتمد العنف وسيلة للتغيير وللتعبير .

في هذه المقالة لن أبحث في أسباب وأحقية إنطلاق هذه المنظمات والحركات ولن أبحث في نبل وعدالة أهدافها أو عدوانية وإجرام هذه الأهداف، سأعدد دون تسلسل زمني بعضاً من هذه المنظمات كمقدمة لما أريد أن أصل له في هذه المقالة :
•    الجيش الجمهوري الإيرلندي : كان يريد تحقيق إنفصال أو تحرير إيرلندة عن إنكلترة . ومنطلقاته كانت خليط ما بين الأفكار القومية والدينية، قام بعدد لا يحصى من العمليات، تلقى دعم خارجي في فترة من الفترات من القذافي . ضَعُف كثيراً نتيجة الضربات العسكرية والمخابراتية، حتى تم التوصل أخيراً لإتفاق بحله نهائياً .
•    المنظمات والجماعات الثورية الفلسطينية : وهي عديدة وهدفها جميعها تحرير الأرض الفلسطينية المغتصبة من الصهاينة معظم هذه المنظمات والجماعات قامت على أسس وطنية نبيلة وواضحة وكانت تسعى لهدف عادل يحظى بتأييد لا بأس به، لذا استطاعت أكثر هذه المنظمات الإستمرار أكثر من أي منظمة ثورية أخرى وساعدها في الإستمرار الخزان البشري الكبير الذي يؤيدها وتأييد العديد من الدول المقتنعة بعملها وبوجوب وجودها وإستمرارها . يجب الإشارة هنا أن بعض هذه المنظمات أصبحت مثالاً يحتذى للمنظمات الثورية في كل العالم وسعى الكثيرون من الثوريين للإرتباط بها فأخذت تدرب وتسلح وتتعاون مع منظمات وجماعات وحركات منتشرة في أغلب أصقاع ىالأرض .
•    جماعة بادر – ماينهوف : أو الجبش الأحمر الألماني منظمة ثورية يسارية ظهرت في ألمانيا وقامت بالعديد من العمليات، تلقت دعم من منظمات فلسطينية لكنها لسب ما لم تستطع أن تتوسع في المجتمع الألماني . في النهاية قبض على زعمائها "أندرياس بادر"  "وأولريكة ماينهوف" (إمرأة). "أولريكة" وجدت مشنوقة في زنزانتها وقيل أنها انتحرت . "أندرياس" كان قوي البنية ومن الصعب شنقه لذى أنتحر بإطلاق النار على نفسه في زنزانته بالسجن (الرواية الرسمية) . يقال أن أسم المنظمة يجب أن يكون "بادر – أنسلن" حيث  "غوردون أنسلن" (إمرأة) هي من أسست مع "بادر" المنظمة قبل "ماينهوف" وهي اعتقلت ثم وجدت منتحرة (أيضاً) في زنزانتها . في النهاية قررت المنظمة حل نفسها لأنها لم تستطع حشد أي كتلة إجتماعية ألمانية وراءها .
•    الألوية الحمراء : منظمة إيطالية يسارية، قامت بالعديد من العمليات أشهرها كان إختطاف رئيس الوزراء الإيطالي "ألدو مورو" في وضح النهار من قلب العاصمة الإيطالية روما بعد قتل حراسه الخمسة، و قتله هو شخصياً فيما بعد . تراجعت هذه المنظمة كثيراً بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي إلا أنها لم تضمحل نهائياً ولا زالت حتى الآن تقوم ببعض العمليات .
•    منظمة العمل المباشر : منظمة يسارية فرنسية قامت بالعديد من العمليات بعضها ضد أهداف إسرائيلية . تلقت ضربة قوية بعد إعتقال عشرين عضواً منها من ضمنهم قادتها . ورغم الإفراج عنهم بعفو من الرئيس "ميتران" فيما بعد إلا أنها لم ترجع إلى سابق عهدها رغم أنها لازالت تنفذ بعض العمليات .
•    منظمة أيتا : " حركة تحرير إقليم الباسك "  قومية يسارية تسعى لتحرير إقليم الباسك الذي يخضع لسيطرة إسبانية وفرنسية . قامت بالعديد من العمليات أشهرها إغتيال رئيس الوزراء الإسباني . قررت ذاتياً عام 2011 إلقاء السلاح والتخلي عن الكفاح المسلح والأعمال العنفية .
•    الجيش الأحمر الياباني : منظمة يسارية يابانية تسعى لإنهاء الحكم الإمبراطوري في اليابان . لها علاقات وطيدة جداً مع المنظمات الفلسطينية، وقد قام هذا الجيش بأشهر عملياته في مطار اللد في فلسطين، خسر بالعملية عنصرين وقبض على الثالث وهو أوكوموتو الشهير الذي أفرج عنه في صفقة تبادل أسرى حيث خرج مدمراً جسدياً وعقلياً ونفسياً نتيجة المعاملة في السجن ونجى من تسليمه للسلطات اليابانية بعد منحه حق اللجوء في لبنان . في وقت من الأوقات كان الجيش الأحمر هو المنظمة ذات السمعة الأكثر إثارة للخوف في العالم .
•    المنظمات الإرهابية الصهيونية : الهاجاناه وشتيرن وأرجون وغيرها . منظمات ذات منطلقات قومية دينية متطرفة, نفذت عمليات ومذابح تاريخية . نالت دعماً دولياً كبيراً بعكس كل المنظمات العنفية الأخرى (مما يذكرنا بحالة بعض المنظمات الحالية) وهي المنظمات الوحيدة التي استطاعت نتيجة الدعم الذي نالته وظروف أخرى التحول إلى جيش نظامي  ومن ثم إلى دولة .
•    ظهر أيضاً بعض الثوريين المستقلين الذين آمنوا بالعنف كوسيلة للتغيير ومن اشهرهم "إليتش سانشيز" الشهير "بكارلوس" وهو مناضل يساري عمل مع بعض المتظمات االفلسطينية كما عمل مستقلاً في بعض الأحيان قام بالعديد من العمليات أشهرها إختطاف وزراء النفط في منظمة أوبك . أقام فترة في السودان فتم تسليمه غدراً إلى فرنسا حيث لايزال مسجوناً إلى الآن.
•    المنظمات الثورية الأمريكية : مثل حركة " ويذرمن " و "جيش التحرير السمبونيزي " و حركة " ديفيد كورش " وبعض الحركات اليسارية والثورية وحتى الدينية للسود في أمريكا، وهي حركات جرى التعتيم عليها نتيجة سطوة أمريكا الإعلامية كما جرى القضاء عليها بسرعة نتيجة سطوة أجهزة المخابرات الأمريكية وأحياناً بطرق وحشية جداً كما حصل مع جماعة "ديفيد كورش" الذين أحرقوا جميعاً في مذبحة مزرعة " واكو" بما فيهم النساء والأطفال .

للذين يظنون أن حركة ديفيد كورش هي مجرد حركة دينية تهدف لإقامة كنيسة وطائفة دينية أود أن أذكرهم أن " تيموثي ماكفي " الذي قام بأكبر تفجير عدا (9/11) في أمريكا قال أنه قام به إنتقاماً لضحايا " واكو" وكذلك تفجير معمل السماد منذ سنتين في تكساس أعلنت جهة مجهولة أنه تم في ذكرى مذبحة " واكو" . من جهة أخرى يوجد في أمريكا العديد من المنظمات العنفية أكثرها يميني أو ديني متعصب لعل أشهرها (الكلو كلوكس كلان) .
•    حركةالأخوان المسلمين : حركة دينية متطرفة ظهرت في مصر وامتدت لعدة دول عربية أخرى منها سورية قامت بعمليات عنفية في مصر أشهرها محاولة أغتيال عبد الناصر وإغتيال الرئيس السادات . كما شنت حرباً صغيرة في سورية في محاولة لقلب النظام لكن تم إفشالها في وقتها دون أن يتم القضاء على الحركة نهائياً . تتمتع الحركة بدعم كبير كما تمتاز بشكلها الأخطبوطي نتيجة المنظمات المتفرعة عنها والمنظمات والحركات المتحالفة معها .
نصل لبيت القصيد في هذه المقالة :
•    القاعدة : حركة عنفية ذات منطلقات دينية متطرفة . عالمية الإنتماء لا يمكن نسبها لشخص أو لحزب فهي مولود عدة أجهزة مخابرات التي استفادت لإنشائها من كل الخبرات العالمية التي تراكمت من عمل كل المنظمات الثورية و العنفية مع  دعم مالي غير محدود من جهات دولية عديدة، كما استفادت من خزان بشري وأيديولوجي جرى العمل عليه وتحضيره من قبل دول وأجهزة مخابرات ومؤسسات دينية ومدنية عملت على مدى سنين لأدلجة وغسل أدمغة أعداد كبيرة من الناس في دول ومناطق عديدة . والناتج كان منظمة ما فوق العنفية، إذ تبدو كل (ومجموع) أعمال المنظمات العنفية والثورية الأخرى أمامها مجرد لعب أطفال (بإستثناء أعمال أرباب القاعدة وهم المنظمات الإرهابية الصهيونية مثل الهاغاناه وشتيرن وأرجون وغيرها، و الأجهزة السرية الأمريكية مثل "أف بي أي " و " سي أي إيه " وغيرها صاحبة المذابح الكبرى في أمريكا وخارجها).

أنطلقت القاعدة من أفغانستان معتمدة في بادئ الأمر على حركة  " تحرر وطرد استعمار " هي حركة طالبان، وهي في الحقيقة حركة دينية متطرفة تسعى لتحقيق أهدافها الإيديولوجية المتطرفة والمتخلفة . ثم أستقلت القاعدة و تمتعت بدعم مالي وتسليحي دولي إضافة للدعم المخابراتي من العديد من الأجهزة مما حولها لتنظيم دولي بقدرات غير مسبوقة أهلها لتشن حروب كبرى في أكثر من دولة أهمها سورية، و بلغت درجة من التضخم جعلها تظن أنها قادرة فعلاً على إنشاء دولتها الخاصة (كما فعل أربابها من قبل العصابات الإرهابية الصهيونية) . تَضخُم هذه المنظمة أدى إلى تشققها إلى عدة منظمات بدأت بالتناحر والتقاتل نتيجة الطمع ونتيجة تعدد مرجعياتها الدولية ونتيجة ضيق الأفق و التخلف الفكري والتعصب الذي أجج خلافاتها . 

لأول مرة تشكل منظمة عنفية تهديداً حقيقياً عالمياً وليس محلياً أو أقليمياً فقط، ولثاني مرة تتمتع منظمة عنفية بهذا الدعم الدولي (أول من تمتع بدعم دولي كبير هي المنظمات الإرهابية الصهيونية) والقدر شاء أن تكون سورية هي المطمع الأهم لهذه المنظمة الإرهابية كما شاء أن يكون الجيش السوري هو أمل البشرية الوحيد في القضاء عل إرهابها العالمي

وما يجري الآن على الأرض يؤكد أن القدر قد أختار الجهة الصحيحة لإحقاق الحق والعدل إذ لا خيار أمام سورية وأمام العالم (رغم ظلمه وحمقه) إلا الإنتصار مهما كان الثمن ومهما عظمت التضحيات .
ملاحظة : اثناء تحضير هذه المقالة أستعنت (كالعادة) بالإنترنت وتحديداً بالمعلومات التي يتيحها محرك غوغل والمفاجأة لم تكن في المعلومات الموجودة عن أي حركة ومنظمة وجبهة وجيش وإنما كانت في غياب هذه المعلومات عن المنظمات الأمريكية إذ لايوجد على غوغل أي ذكر لحركة " ويذرمن " مثلاً ولا " لجيش التحرير السيمبونيزي ". حتى عملية إختطاف ساندي هيرست أبنة المليونير الشهير التي نفذتها واحدة من هاتين المنظمتين الثوريتين (لم أعد أذكر أيهما) وأحدثت ضجة كبرى في وقتها لا يوجد لها ذكر على الأنترنت .

لا يشكن أحد في أن أمريكا هي بلد الحرية وحقوق الإنسان، ولا يعتنقن أحد نظرية المؤامرة التي تحيكها أمريكا، و لايذهبن ذهن أحد إلى ظن السوء بأمريكا وبمدى سيطرتها على الإعلام وبمدى إخفائها للحقائق وتزويرها لصالحها . لا أقول هذا بسبب غياب معلومة صغيرة عن الأنترنت وإنما بسبب تاريخ طويل لأمريكا لا يغيب عن ذهني وذاكرتي كما يغيب سهواً أو قصداً عن البعض .

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...