تونس: حكومة «النهضة» تستقيل والغلبة للحوار

10-01-2014

تونس: حكومة «النهضة» تستقيل والغلبة للحوار

بعد طول انتظار استمر منذ اندلاع الأزمة السياسية في تونس إثر اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 تموز الماضي، قدّم رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض، أمس، استقالة حكومته رسمياً إلى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي.
وتأتي هذه الاستقالة، وإن طال انتظارها، ضمن تنفيذ أطراف الأزمة السياسية لمبادرة الحوار الوطني الذي رعاه ما سمي بـ«الرباعي»، بقيادة المركزية النقابية الاتحاد العام التونسي للشغل. وتنقسم هذه المبادرة، بشكل أساسي، إلى ثلاثة مسارات: الأول يتعلق باعتماد المجلس الوطني التأسيسي للدستور، أما الثاني فيتعلق بانتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فيما يتعلق الثالث باستقالة الحكومة الحالية.

وفي هذا الصدد، فقد واصل المجلس التأسيسي جلسات التصويت على الدستور، أمس، كما نجح في انتخاب أعضاء هيئة الانتخابات التسعة واختيار رئيس من بينهم، هو الأستاذ الجامعي محمد شفيق صرصار بغالبية 153 صوتاً من أصل 213 شاركوا في التصويت.

ومع هذا التقدم الحاصل في المسارات، المتجه نحو إنهاء تنفيذ المبادرة كاملة قبل 14 كانون الثاني الحالي، ليتزامن ذلك مع الذكرى الثالثة لخلع الرئيس زين العابدين بن علي، فيبدو أنّ عنوان المرحلة المقبلة في تونس سيكون تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة وزير الصناعة الحالي مهدي جمعة، الذي تم اختياره ضمن الحوار الوطني وفي ظروف ملتبسة في منتصف كانون الاول الماضي. وسيكون من أبرز مهام هذه الحكومة الإشراف على الانتخابات العامة المقبلة، التي وبإقامتها من المفترض أن ينتهي مسار الانتقال الديموقراطي في تونس، الدولة التي شهدت انطلاق ما سُمّي بـ«الربيع العربي».

وأوفى القيادي في «حركة النهضة» علي العريض وحزبه بتعهداتهم، أمس، أمام المنظمات الراعية للحوار بالإعلان عن إنهاء مهامه. وفي خطاب مقتضب ضمّن فيه بعضاً من وصاياه إلى التونسيين، قال «كما كنتُ تعهدت منذ فترة طويلة... قمت منذ قليل بتقديم استقالة الحكومة» إلى الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي. وأضاف «كلفني السيد الرئيس بالسهر على تسيير شؤون البلاد ريثما يتم تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الأخ مهدي جمعة».

وذكّر رئيس الحكومة المستقيل بالتزامه ببنود خريطة الطريق، وأن الاستقالة جاءت بعد اتضاح الرؤيا مع انتخاب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي ستحدد تاريخ الانتخابات المقبلة، وعرّج على موجة الاحتجاج المتصاعدة في مختلف أنحاء البلاد، داعياً التونسيين إلى تجنب التآكل الداخلي.

ويُعتبر آخر قرار قدّمه العريض قبل تخليه، تعليق العمل بالإتاوات والضرائب المقررة في ميزانية العام 2014، تفادياً لتصاعد الاحتقان الاجتماعي.

ولم يبد وزراء العريض من «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية»، المقاطع للحوار الوطني، أي رفض لقرار التخلي، حيث قال وزير التجارة المستقيل عبد الوهاب معطر، في حديث إلى «السفير»، «نحن في حكومة ائتلافية يتحكم في مسارها حزب الغالبية (حركة النهضة)، ومن الطبيعي أن نتقبل قرار التنحي، وطالما توافقت الأحزاب في الحوار الوطني على حلّ الحكومة وتعويضها بأخرى فهذا أمر غير مأسوف عليه».

وعن اختيار يوم أمس لتقديم الاستقالة، أكد معطر أن «لا مجال للربط بين الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت البلاد والإعلان الرسمي عن قرار الاستقالة. التاريخ سيحكم إن كنا تركنا للحكومة المقبلة إرثاً ثقيلاً أم لا».

من جهتها، استبشرت المعارضة التونسية بقرار الاستقالة، خصوصاً أن الدعوات لإقالة حكومة العريض انطلقت منذ اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 تموز الماضي، لكنه لم يستجب إلا بعد انطلاق مبادرة الرباعي الراعي للحوار الوطني.

وفي حديث إلى «السفير»، اعتبر عضو المكتب التنفيذي لـ«حزب نداء تونس» المعارض خميس كسيلة، أن «إعلان الاستقالة بشرى لكل التونسيين بعد تلاعب بالمواقيت الواردة في خريطة الطريق. لقد دفع برفض الشعب إلى تقديم استقالته وهو إقرار بفشل حكومته بعد تظاهرات شعبية عديدة نادت برحيله وحكومته».

وأضاف كسيلة «نحن نرفض أن تتولى وجوه من فريقه الوزاري مناصب في الحكومة الجديدة. نعول على مهدي جمعة في تطبيق كامل بنود خريطة الطريق من خلال اختيار فريق حكومي محايد واتخاذ إجراءات عاجلة استجابة للاحتجاجات الشعبية الرافضة للإتاوات والضرائب. سننتظر ونتفاعل من منطلق مراجعة التعيينات في الوظائف العليا في الدولة التي زرعتها النهضة في كل القطاعات».

مواقف المعارضين التونسيين حول رحيل العريض تشابهت، حيث أجمعت غالبيتهم على أن فترة توليه قيادة الطاقم الحكومي كانت عنوان فشل المرحلة الماضية، ولإنقاذ ما تبقى من مسار الانتقال الديموقراطي وجبت مغادرته، مع التشديد على وجوب التزام جمعة ببنود خريطة الطريق.

وفي هذا السياق، قال ياسين ابراهيم، رئيس «حزب آفاق تونس» المعارض لـ«السفير»، إن «الاستقالة شيء إيجابي وطال انتظارها. الحكومة المقبلة تنتظرها تحديات جمّة، خاصة مع الوضع الاقتصادي والأمني الكارثي، ونطلب منها الحياد وإيقاف نزيف الاحتجاجات»، مضيفاً أن «أحزاب الحكم المتخليّة عليها أن تقيم تجربتها، وستدفع الفاتورة السياسية، وأول بوادرها دعوة وزير الخارجية السابق إلى التحقيق في النيابة العامة بتهمة فساد».

«حركة النهضة»، ما انفكت تؤكد على لسان قيادييها أن خروجها من الحكومة لا يعني البتة خروجها من الحكم، وأن الحكم في المجلس الوطني التأسيسي الذي سيشرف على مراقبة أعمال الحكومة المقبلة.

وفي حديث إلى «السفير»، قال رئيس المكتب السياسي لـ«حركة النهضة» عامر العريض، إن «الحركة أوفت بتعهداتها وساهمت في تقدم المسارين الانتخابي والتأسيسي، وكذلك في المسار الحكومي بعد استقالة علي العريض».

وأكد العريض «نتفاعل بكل إيجابية مع الحوار الوطني، ونحن في مسعى لإنجاح المرحلة الانتقالية وتوفير ظروف سياسية مناسبة للجميع من أجل انتخابات نزيهة وشفافة. نحن حريصون على تنمية المشترك بيننا وبين بقية الفرقاء».

استقالة العريض هي بمثابة إشارة البداية لرئيس الحكومة المعين مهدي جمعة، حتى يتسنى له الانطلاق في تشكيل حكومة الكفاءات الوطنية المتفق عليها.

وتقتضي أطوار المسار الحكومي، فور استقالة العريض، أن يكلف المرزوقي جمعة رسمياً، حتى يشرع في دعوة من يرى فيهم الاستقلالية والكفاءة والحياد ليضطلعوا بحقائب محدودة العدد، توكل لها مهمة تصريف شؤون البلاد والانتقال بها إلى بر الأمان.

وفي الأثناء، يبحث الحوار الوطني بين الفرقاء السياسيين في تونس مهام الحكومة الجديدة، ويضبط الصلاحيات الموكلة إليها، وآليات مراقبتها وسبل سحب الثقة منها.

ويحتاج المسار الحكومي، بحسب ما ورد في مواقيت خريطة طريق رعاة الحوار الوطني، ثلاثة أسابيع على أقل تقدير، تنتهي بمنح الثقة لكامل تشكيلتها في جلسة عامة ممتازة، غير أنه لم يبق سوى أربعة أيام قبل اليوم الموعود في 14 كانون الثاني الحالي.

أمينة الزياني

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...