ملتقى «سورية جسر المحبة».. خيوطٌ لونيةٌ نسجت تواصلاً مثمراً بين الفنانين وزوّار المكان!

15-04-2019

ملتقى «سورية جسر المحبة».. خيوطٌ لونيةٌ نسجت تواصلاً مثمراً بين الفنانين وزوّار المكان!

تتشابك اللوحات التي يشتغل عليها فنانو ملتقى «سورية جسر المحبة» (أقامته مديرية الفنون الجميلة ضمن مهرجان دمشق الثقافي لعام 2019) كما لو أنها جزء أصيلٌ من الأشجار والنوافير والقطع الأثرية في حديقة المتحف الوطني في دمشق، كأنك تدخل في متاهة لونية أو لعبةٍ سِحريّةٍ فيها طبقاتٌ من ألوانٍ لكلٍّ منها إدهاشه الخاص وسرُّه الكامن.

وجود المعرض في الهواء الطلق وبهذه الخفّة اللذيذة من العمل أمام الناس وزوار المتحف يتيح للجميع مشاركة الفنانين طرائقهم وأسلوب عملهم على لوحاتهم ويفتح أبواباً للدردشة البوح والتواصل المثمر، إذ لا يتاح للناس عادةً الاطلاع على مشاغل ومحترفات الفنانين، بل لا يكون الفنانون عادةً ممن يعملون على مرأى من جموعٍ تأتي وتذهب وتشوّش عليهم عزلتهم الابداعية وهم غارقون في حمّى البحث عن جديدٍ يضمّنونه في أعمالهم/ لوحاتهم/ منحوتاتهم.

الفنانة ضحى الخطيب عمِلتْ من وحي المكان واسم الملتقى فقدّمت لوحتي «كولاج» بتقنيات مختلفة وأسلوبها المميز محاولةً لفت النظر نحو تفاصيل ورموز مستوحاة من «ربّات النصر السوريّات» وتيجان العظمة المذهّبة مع الزيّ السوري القديم جاعلةً المُشاهِدَ يتلقّى إحساسَ الصلابة في لون الحجر البازلتي التي وشمتْ به عناصرَ لوحتيها.

وقالت الخطيب عن مشاركتها: «تفاعلتُ مع الورشة كما لو أنها همزة وصل بيني كفنانة وبين الناس الذين قدِموا ليشاهدوا ويتعرفوا على أعمالنا، المهم بالنسبة لي هو كم أنت ممتلئ بالفكرة التي تشارك بها، وكيف تستوحي من عناصر المكان الذي تقام فيه أي ورشة حيث إنك تضفي ملمحاً مختلفاً في كل مرة تشارك فيها مع الإبقاء على أسلوبيتك وبصمتك المعتادة».

رنيم اللحام شابّة لها بصمتها الواضحة منذ تخرّجها في كلية الفنون إذ إنك تعرفها من تلك الشخوص الأنثوية التي تتمحور حولها الأشياء كما لو أنها مركز كل ما يدور في فضاء اللوحة، شخصياتٌ أنثوية لكن بلا أنوثة، بلا عريٍّ أو إغراء أو تلميحاتٍ مغوية بل أقرب إلى شخوصٍ منكسرة مائلة الرؤوس بملامح قاسية وخشنة تكاد تكون تعويضاً عن رجلٍ غائبٌ بالمعظم عن كائنات لوحاتها، وفي مقابل تلك التعبيرية الحديّة هناك غنىً لونيّ كثيف مبهجٌ وآسر.

بينما تأخذ فكرة الانكسارات الروحية والعجز عن الفعل عند حسن الماغوط شكل أناسٍ مَلْويي الأيدي نحو الوراء في حركةٍ قسريّة سببها الواقع المرّ وكمية الفقدان والخسارات من حولنا لكنه أيضاً وبنوعٍ من تعويضٍ ربما عن الكآبة أو انسداد الأفق أمام تلك الشخوص يقوم الماغوط بمزجٍ لونيّ جاذب فيه لطخاتٌ من أزرقٍ يوحي بأملٍ ولو ضئيل أو ببارقةِ انفراجٍ تتحسّسها شخصيات اللوحة برغم انعدام ملامحها تماماً.
ولعلّ ميزة هذه الورشات/ الملتقيات أنها تجمع أحياناً عدة أنماط وأساليب من الرسم إذ اعتمد مثلاً خريمة العايد على التجريد باندياح كتلٍ لونية رماديّة كأنها تحمل في طيّاتها وتعرّجاتها مفاهيم مجرّدة بدلاً من الكائنات الحيّة، وإيحاءاتٍ بالقول بدلاً من رموزٍ نباتية أو حيوانية بعيداً قليلاً ربما عن فكرةٍ طالما اشتغل عليها منذ مدّة هي أن الأرض قرارٌ واستقرارٌ وربما صلابة وقوّة بينما الهواءُ فسحةٌ ومتنفّسٌ وتحليق.

واقتصرت تجربة الفنانة لوسين ديمرجيان على ما يشابه تمريناً حيّاً للرسم أمام جمهور المتحف بكونها المشاركة الأولى لها فكانت لوحاتها لطخات لونية تظهر رجلاً وامرأةً كأنما يتضامّان ليقولا إنهما في حال المحبة والهدوء.

اللافت في معظم اللوحات هو أنها تحفل بزينتها من ألوانٍ فرحة وهادئة بعيدة عن أجواء الحرب أو عتم الخسارات، ربما من دون قصديّة من قبل الفنانين أو بوحيٍ واستلهامٍ من أجواء الهواء الطلق ورحابة المكان/حديقة المتحف التي تركت على المشاركين وعلى الحضور لمسة فرح وطاقة إيجابية.

 



تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...