لا بديل عن زراعة الحشيش والاهمال في الهرمل

19-05-2007

لا بديل عن زراعة الحشيش والاهمال في الهرمل

"إما البديل وإما الموت" يقول أحد المزارعين  أثناء جولة واسعة على مختلف قرى منطقة بعلبك الهرمل شملت المنطقة الممتدة من حزّين مروراً بشعت ودير الاحمر والكنيسة ونبحا ووادي النَيرا والقليلة والصفرا ووادي التركمان وصولاً الى الهرمل. والمقصود بالبديل هو المساعدات التي من المفترض أن تعرضها الدولة على المزارعين لتشجيعهم على التخلي عن الزراعات الممنوعة. ومقابلة عدداً من المخاتير وأعضاء مجالس البلديات (حيث وجدت) والمزارعين وعائلاتهم وتنقّلت في مساحات واسعة من السهل لتفقّد حال المزروعات والمواشي.
الطريق الى منطقة بعلبك الهرمل مليئة بالجوَر، وبينما تقوم الدولة بإصلاح الطريق الرئيسية التي تصل شتورا ببعلبك، تبقى الطرقات الداخلية التي توصل الى عشرات القرى الريفية، مهملة. والعديد من تلك القرى ليس فيه مستوصفات ولا سيارة اسعاف ولا أدنى وسائل الاطفاء، ويفتقر للمدارس. ويقول أحد المخاتير إن بعلبك الهرمل مصنّفة «منطقة عسكرية» منذ الاشتباكات التي حصلت بين المجموعات المسلّحة التابعة للشيخ صبحي الطفيلي والجيش عام 1998 في عين بورضاي.
وخلال العدوان الاسرائيلي على لبنان في تمّوز من العام الماضي والذي طاول سهل البقاع على نحو مركّز وتخلّله قصف جوي ومعارك ميدانية، لم يتمكّن المزارعون من حصد محاصيلهم. وعاينت الهيئة العليا للاغاثة الاضرار التي لحقت بالمزارعين، كمّا تمّ إحصاء الأضرار لدى القائمقامية بحسب احد المخاتير. لكن الهيئة العليا للإغاثة لم تصرف اي دعم لمزارعي المنطقة. ومنذ عدوان تمّوز الماضي اضطرّ العديد من المزارعين الى رهن اراضيهم للمصارف بسبب الفقر المدقع. وقال مختار احدى القرى إن أكثر من 1300 دونم من الاراضي الزراعية في محيط القرية قد رُهنت للمصارف، وإن هذه الاراضي «بور» (غير مزروعة) هذا العام. أما الآخرون، فيجمع مخاتير القرى على أنهم «اضطرّوا لزراعة الحشيش في سبيل تأمين لقمة العيش».
وأكّد وزير الزراعة المستقيل طلال الساحلي في اتصال  ما قاله المزارعون عن غياب الزراعات البديلة، وقال إنه طلب من برنامج التنمية التابع للامم المتحدة (UNDP) برئاسة منى همّام، كما طلب من غيرها من المنظمات الدولية، وضع دراسة عن امكان تحديد انتاج «القنب الهندي» وتنظيمه في لبنان لأهداف صناعية صيدلية، فهذه الزراعة التي تُعتبر ممنوعة قانوناً يمكن أن يستخدم نتاجها في العديد من الأدوية والمستحضرات الطبية العلاجية. ويحبّذ الوزير المستقيل دراسة امكان تحديد «كوتا» لزراعة الحشيشة في البقاع بما أن تصريفها ممكن في شكل قانوني إمّا عبر استخدامها صيدلياً وإما عبر تصديرها الى هولندا حيث يُسمح قانونياً بتعاطي حشيشة الكيف.
العدد الأكبر من المزارعين الذين قابلناهم أكّدوا أن حرب تموز الإسرائيلية والتي استهدفت في ما استهدفت بعلبك الهرمل، منعتهم من الحصاد «وبقيت البطاطا في الارض». أما وضع القمح والبصل والاشجار المثمرة والتبغ فلم يكن افضل. فالطائرات الحربية الاسرائيلية كانت تقصف الشاحنات وتغتال العمال والمزارعين في الحقول كما حصل في القاع في الرابع من تمّوز 2006 حيث استشهد 33 عاملاً وجرح العشرات. كما تضرّر المزارعون البقاعيون من مغادرة العمّال السوريين لبنان بأعداد كبيرة بسبب التطوّرات السياسية والامنية.
ويقول المزارعون إن اوضاعهم المعيشية الصعبة دفعتهم الى زراعة الممنوعات كالحشيشة بكثافة لأن «تصريفها سهل وتكاليف زراعتها ضئيلة». ويشتكي المزارعون من غياب الروزنامة الزراعية الدقيقة، ويقولون إن البطاطا المصرية تدخل الى لبنان بأسعار متدنية، مما يمنع تصريف البطاطا اللبنانية، ولا امكانات لتخزينها. ويشتكي آخرون من البضائع السورية والاردنية التي تنافس مزروعات البقاع. ويقول عضو في احدى البلديات، إن كلّ ما يطلبه المزارع البقاعي هو معاملة الدولة للقطاع الزراعي اللبناني كما تتعامل الدولة السورية مع القطاع الزراعي السوري. ففي سوريا اليوم برنامج زراعي متكامل يوفّر دعم الدولة لكل مراحل الانتاج من تأمين البذور والاسمدة والكيماويات الى تصريف المنتجات الزراعية عبر تشجيع التصنيع الزراعي.
وتحدّث أحد كبار المزارعين في الهرمل عن التسهيلات والدعم الذي تقدّمه الدولة السورية لمزارعيها، فذكر السدود لتأمين الريّ بالجاذبية، مما يوفّر صرف الاموال على مازوت مضخّات المياه، بينما مشروع سدّ العاصي في لبنان مجمّد.
إتلاف لقاء البديل
تعهّد المزارعون الذين قابلتهم  إتلاف المزروعات الممنوعة في أراضيهم لقاء حصولهم على دعم يمكّنهم من زراعة البطاطا والقمح والبصل والاشجار المثمرة وبرنامج زراعي يسمح بتصريف منتجاتهم بأسعار تنتشل مستوى عيشهم الى الحدّ الأدنى. ويطالب مزارعو الممنوعات بالحدّ الأدنى من الخدمات الصحية والتربوية، ويقولون إنهم يزرعون الممنوعات بدافع معيشي لا بدافع جرمي، فهم بحاجة لمورد رزق وقد وجدوه في زراعة الحشيشة. يقول أحد المخاتير: «في قريتي وحدها هناك أكثر من 120 مطلوباً فاراً من العدالة بسبب زراعة الحشيشة وبيعها، و200 آخرون غادروا البلاد خوفاً من الملاحقة القضائية.» ويقترح المختار حلّ هذه المشكلة بتسوية أوضاع الذين لم يرتكبوا جرائم غير زراعة المحاصيل الممنوعة وبيعها.
أرقام
في كثير من المناطق البقاعية لم تقم الدولة ولا البلديات بحفر آبار المياه، بل اضطرّ المزارعون لحفرها على نفقتهم. وفي منطقة بعلبك الهرمل يصل عمق المياه الجوفية الى نحو 400 متر. اضافة الى التكلفة الباهظة لحفر تلك الآبار بسبب عمق المياه الجوفية، يضطرّ المزارعون الى تركيب مضخّات بقوّة 550 ك.ف.أ للتمكّن من ضخ المياه. وتلك المضخّات الكبيرة تستهلك زهاء خمس تنكات مازوت في الساعة. وعند اجرائنا عملية حسابية بسيطة تبيّن لنا أن عملية ريّ 100 دونم بطاطا تكلّف المزارع أكثر من 12 مليون ليرة لبنانية. فالبطاطا تحتاج الى أكثر من 10 ساعات ريّ يومياً خلال شهرين. فيما طنّ البذار يكلّف المزارع بين 800 و900 ألف ليرة لبنانية. تضاف الى ذلك كلفة الاسمدة والكيماوي واليد العاملة. وهو ما يجعل كلفة كيلو البطاطا «بأرضه» (قبل الحصاد والتوضيب) 250 ليرة. أما سعر كيلو البطاطا المصرية المستوردة فلا يتعدى 225 ليرة لبنانية. في ما يتعلق بالحشيشة أو ما يسمى أيضاً القنّب الهندي، كلفة زراعة 100 دونم منه لا تتجاوز مليوناً ونصف المليون ليرة لبنانية. ويحصد المزارع 300 «هقّة زهرة» أي 360 كيلو حشيشة من 100 دونم ارض. ويقول المزارعون انهم يبيعون الكيلو بـ750 ألف ليرة وإن الطلب على الحشيشة متوافر.
الاصطدام بالضابطة العدلية
والتقينا مع مجموعة من المزارعين المسلّحين الذين اعربوا غاضبين عن مطالبتهم بحقوقهم اسوة بغيرهم من اللبنانيين، وقالوا إنهم لم يحصلوا على مساعدات أو تعويضات بعد عدوان تمّوز ولا على زراعات بديلة تشجّعهم على التوقف عن زراعة الممنوعات. «بدنا نعيش، شو منعمل؟ كيف منطعمي ولادنا؟».
وصرخ آخر وهو مدجّج بالسلاح خلال جولة على الاراضي المزروعة بالحشيشة: «هيدي المزروعات هيي يلّي بتجيب ربطة الخبز على البيت، ويلّي بدو يتلفها بدنا نشتبك معو». وأكّدت مجموعة مسلّحة من المزارعين أن «قوى الامن والجيش هم اخوتنا لكننا لن نسمح لهم بحرماننا لقمة العيش».
وحصلت أخيراً مناوشات بين عناصر من الضابطة العدلية كانوا يعملون على إتلاف الافيون في البقاع من جهة، ومزارعين مسلّحين، أحدثها عهداً اشتباك في بلدة ايعات ادى الى تحطيم سيارة عسكرية تابعة لمكتب مكافحة المخدرات في الشرطة القضائية.
قد تتمكّن الضابطة العدلية بمساعدة الجيش من قمع مزارعي الممنوعات بقوّة السلاح، لكن المرجح أن الثمن بالارواح البشرية سيكون عالياً اضافة الى الثمن الاجتماعي بسبب الخصوصيات العشائرية والتقاليد الثأرية لأبناء البقاع. ويبدو أن هناك طريقاً اسهل لفرض القانون وضبط المخالفات من خلال اعطاء مزارعي الممنوعات فرصة ليلتزموا تعهداتهم إتلاف الزراعات الممنوعة مقابل تزويدهم مقومات العيش الكريم.


المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...