قفزات سورية في النمو السياحي: صفّق أيها الشعب

12-07-2018

قفزات سورية في النمو السياحي: صفّق أيها الشعب

سبقت سوريا جيرانها في موازين «النمو السياحي» وفقاً لـ«المجلس العالمي للسياحة والسفر – WTTC». المجلس (مقرّه لندن، ويُعدّ أعلى الهيئات الاقتصادية العالمية في اختصاص السياحة) أعدّ تقريراً خاصّاً عن السياحة والاستثمار السياحي والعمالة السياحيّة في سوريا للعام 2018، خلُص فيه إلى أنّ العام الحالي «عامٌ مفصلي في مسار السياحة السوريّة». أشاد التقرير بارتفاع نسبة النمو السياحي في سوريا التي تفوّقت على دول الجوار «من حيث نمو رأس المال الموجّه للسياحة، وتوقعات نمو نسبة العمالة السياحية في ختام عام 2028».

النمو الاستثماري في قطاعات السياحة في سورية (بدءاً بالمطاعم والفنادق، وانتهاء بالمشاريع الخدمية الموسمية) شهد ارتفاعاً ملحوظاً في عام 2018 (الذي لم ينته بعد)، لتتحوّل نسبة نمو هذا القطاع من -54 % (سالب) عام 2012 إلى 7.4% (موجب). في مقابل نسبٍ بلغت 6.8% في مصر، و1.2 في تركيّا، و0.5% فقط في لبنان. كذلك ارتفعت نسبة العمالة في قطاع السياحة إلى 38 % مقارنة مع تركيا 3.1% التي تعتبر رائدة في سياحتها بين دول المنطقة. وفقاً للتقرير، فقد انتقلت سوريا على سلّم «نمو رأس المال السياحي الاستثماري» من المرتبة 112 عالمياً عام 2017 (بنسبة 4.3%) إلى المرتبة 21 في منتصف العام الحالي. تأسيساً على ذلك، يتوقع التقرير، أن تبلغ نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي السوري بين عامي 2018 و2028 ما يقارب 13% كرصد للاستثمار والعوائد الطويلة المدى. من بين أهم عوامل هذا النمو اختيار شريحة كبيرة من «الأغنياء الجدد» قطاع السياحة ميداناً لاستثماراتهم (بدلاً من الصناعة مركز الثقل الاقتصادي الدائم، ومن التجارة مركز الانتعاش الاقتصادي الدائم).

إنّ نسبة النمو التي تحقّقت حتى الآن هي، بلا شك، نسبة ممتازة تُبشّر بنهوض أول قطاع اقتصادي في البلاد. ويمكن عدّ هذا النهوض أوّل مواليد «إعادة الإعمار الاقتصادي» برؤوس الأموال الجديدة التي تستهويها الربحيّة العالية للاستثمار في السياحة السورية. وعلى رغم ارتفاع أسعارها مقارنة بدول الجوار، فإنّ هذا لم يؤثّر في العائدات بسبب ارتفاع استهلاك شريحة سوريّة تُقدر بـ20% لم تقترب من خطّ الفقر والعيش المتوسّط وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. ولم تتوقف الشريحة المذكورة عن ارتياد المطاعم والفنادق السورية بكثافة زادت عن السنوات السابقة. 

النصف الفارغ من الكأس يشير إلى إحباط شديد بسبب ارتفاع الأسعار التي لا تتناسب مع النسبة العظمى من السوريين، ولا مع نصيب الفرد من الناتج المحلي، ولا من كتلة الدخل بما فيها رواتب القطاعين العام والخاص. والسؤال المطروح الآن: هل ستستمر «طبقة العشرين في المئة» في دعم الإنفاق الاستهلاكي بالوتيرة نفسها؟ وهل سيواصل أفرادها لعب دور الزبائن في استثمارات عائديّتها للطبقة ذاتها؟!

قد تُشكّل قفزات النموّ إغراءً يوحي بأنّ «السياسات السياحيّة» تحقّق نجاحاً باهراً، فيستمر «الأداء التسعيري» في ضبط الأمور وفق بوصلة «نفقات المستثمر» من دون دراسة السوق وقدرتها على السداد. إنّ المضيّ في المسار الاقتصادي نفسه «يبشّر» بخروج سوريا كليّاً من لائحة «بلدان معيشة الفقراء»، لا سيّما أنّ واقعها الاقتصادي بات مُقاماً على قاعدة «أقلية اقتصادية تملك رأس المال، وتحقّق في الوقت نفسه أعلى نسب الإنفاق الاستهلاكي» بحيث يبني أفراد هذه الطبقة فنادق ومنشآت، يرتادونها وحدهم من دون سواهم. فيما يُطالب أفراد الفئة الأكبر بالتصفيق لـ«إنجازات اقتصاديّة» ليس لهم سوى التفرّج عليها، من دون أن يتجرأوا على التفكير بالاقتراب منها!

 

نسرين زريق - الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...