صديقي الأخير: ما يجري في سورية هو أزمة ضمير

07-06-2013

صديقي الأخير: ما يجري في سورية هو أزمة ضمير

الجمل ـ نبيل صالح: «صديقي الأخير» لجود سعيد مثل فيلم "الساموراي الأخير" يصور تقلص الأخلاق مقابل تمدد التكنولوجيا التي تفترس إنسانيتنا لتحولنا إلى معادلات مادية لا مكان فيها للشهامة والفروسية.. إنه فيلم ممتع وكوميديا سوداء مُرّة تشرح الأزمة التي وصلنا إليها مع أن أحداثها جرت في زمن سابق لها.. فما يحصل في سورية هو أزمة ضمير وصراع بين بشر قادمين من عصور ماضية بأسلحة زمن حديث.. هذا هو الإنطباع الأول لافتتاح الفيلم في سينما الكندي بدمر ولن نحكي هنا قصة الفيلم التي سيكررها (نقاد الاستكتاب الصحفي) ضمن حدود عملهم التي تقتصر غالباً على سرد الحكاية، ليسطحو بذلك عمق الصورة المعرفي وإيحاءها الشعري .

ففي «صديقي الأخير» الحكاية هي البطل والناس وقودها، إنها صراع السلطة مع ذاتها، وصراع السلطة مع الناس، وصراع الناس الذين فوق مع الذين تحت، وبين البطل وضميره، الضمير الذي يصل إلى طريق اجتماعي مسدود ويدفع الطبيب خالد إلى الانتحار، بينما يدفع صديقه الافتراضي المحقق يوسف نحو العزلة في جباله البعيدة، مصطحباً معه طفلة الحب التي تبناها خالد قبل موته، هذه الطفلة هي بذرة المستقبل التي سيعيد المحقق يوسف زراعتها في بيئة بكر بعيداً عن معادلات الحياة المتداخلة مع الأسباب التي تهيء سرير الخطيئة.. فالعميد يوسف " عبداللطيف عبد الحميد" هو بطل ماركيزي بامتياز، بينما الطبيب المنتحر " عبد المنعم عمايري" أشبه بشخصية وجودية خارجة من روايات الكاتب الفرنسي أندريه جيد. إنهما بطلان يختلفان في كل شيء ولكنهما يلتقيان في الجوهر الذي يدعونه "الضمير"..

وإذاً ف«صديقي الأخير» هو دعوة ليقظة الضمير السوري وإعادة دمجه مع أسلوب الحياة التكنولوجية المستوردة، و التي ما زلنا نتخبط فيها لعدم استيراد الكتالوك الأخلاقي والقانوني معها: فقد استوردنا السيارة والهاتف والموبايل والانترنت والفيس بوك مع إهمال كامل للقوانين الناظمة لاستخدامها.. وهذا مايجعل المحقق متوجسا في استخدامها كما لو أنها ستقوده نحو الخطيئة.. فهو كالساموراي الياباني، شخص ينتمي إلى زمن السيف والأخلاق الزراعية، بينما مساعده الفاسد النقيب أمجد (مكسيم خليل) أقرب إلى الأخلاق الإلكترونية التي تمجد الشرير الناجح وتزدري الخاسر: إنها "الأخلاق التكنترونية" لآلهة الإمبراطورية الأمريكية التي بشر بها بريجنسكي قبل ربع قرن ولم ننتبه لها حتى عصفت رياحها في أرواحنا وسراويلنا..

و هذان الصديقان القادمان من زمنٍ مضى وحّدت بينهما تقنيات التكنولوجيا الحديثة لتنتج علاقة غرائبية بين شخص ميت ومحقق على أبواب التقاعد والنسيان، بحيث يشكلا حاضنة أخلاقية للضمير الجديد (الطفلة) الذي سيعيد هذا المجتمع إلى صوابه وإنسانيته. إنه فيلم يقول لنا: أيها السوريون عالجوا ضمائركم إذا أردتم أن تربحوا وطنكم..

المفاجأة الفنية في الفيلم هي عبد اللطيف عبد الحميد الممثل، فبعد ربع قرن من وقوفه خلف كاميرا الإخراج يقف اليوم أمامها ليثبت أنه كممثل لا يقل إبداعاً عنه كمخرج.. تحية للمخرجين جود وعبد اللطيف وللمشاهد الذكي الذي نأمل أن تنعكس نظرية التطهير في صحوة الضمير على سلوكه لإنتاج السلام السوري المنشود..

تنويه: أهدى المخرج فيلمه إلى روح الديكوريست الشهيد أحمد العص الذي كان يحارب ليلاً ويعمل مع أسرة الفيلم نهاراً فخدم وطنه محارباً وفناناً..

هامش: في المشهد الأخير من الساموراي الأخير ينحني الكابتن "ماثن" وهو يقدم للإمبراطور سيف صديقه الساموراي الأخير "كاتسوموتو" فيسأله الإمبراطور: حدثني كيف مات؟ فيجيبه الكابتن: بل سأحكي لك كيف عاش.. وهذا يحيلنا إلى أن الشهداء قد يتساوون بالبطولة والفداء في ساحة المعركة لكن ما يميز شهيداً عن أخر هو حكايته: كيف عاش..

 

التعليقات

انها أزمة ضمير، ضمير استتر خلف مسميات مختلفة، شطارة، استفادة، سكرة (بتشديد الكاف)، فنجان قهوة. الضمير المستتر حلل الحرام، فأخذ الحق من لا يستحقه و ضاعت الحقوق. ضمير استتر وراء الحاجة، بعد ان أصبحت الرفاهيات ضرورات. أصبحت الخادمة الآسيوية ضرورة، كما الحاسب اللوحي. مع ان هذه الحرب الأزمة أعادت بعض أنحاء سورية إلى العصر الحجري، كما هددونا من قبل. استتار الضمير انسانا قضيتنا فلسطين فضاعت من الذاكرة، حتى من ذاكرة أبناء المناضلين القدامى. من يذكر صفد، اللد، بيسان، الخليل و غيرها. ضاع الضمير عند آخر صرعات الأجهزة الخليوية و السيارات و عدد الخادمات. ضاع الضمير بتسهيلات حكومية، فانتقلت من حكومات ثورية جماهيرية مناضلة، إلى حكومات تبيع البلاد بالتجزئة ضمن برامج تشجيع الاستثمار و السوق الاجتماعي. ضاع الضمير فاصبح بيد عكيد البيئة الشامية و الدبلجة التركية. يجب ان نخرج الضمير السوري المستتر وراء ضجيج التكنولوجيا و المد الوهابي من السبات. يجب ان نجعل وزارة الثقافة ورشة عمل و غرفة عمليات على مدار الساعة، و ان تمنح مع التربية و التعليم أكبر نسب من موازنة الدولة، ليس لإنتاج الأفلام و ترميم المراكز الثقافية و ما تهدم من مدارس و منشآت تعليمية بل للاستثمار في إعادة بناء المواطن السوري فكرياً و ثقافياً. إهمال البعد الثقافي و الهاء المواطن بالمنتجات المستوردة جعله سلعة بيد السلفيين و أسيادهم، غياب التعلم و خروج الدولة من دور الريادة في العمليتين التعليمية و التربوية، كما تراجع دور الأهل في تربية النشىء كان له الأثر الأكبر في تحويل الضمير إلى سلعة تجارية و دينية يحضر و يستتر حسب الحاجة و لمن يدفع أكثر. يجب ان نمحي عشرين عاماً و نيف من ذاكرتنا و ذاكرة الأطفال و الشباب بكل رواسبها و لا نبقي إلا العبر و الدروس المستفادة. لهذا يجب التركيز على الإنسان كطاقة كامنة، كمواطن، كعنصر فاعل متفاعل في الحياة الثقافية و الاجتماعية و السياسية، و ليس مجرد رقم مستهلك نزجه أو نزبحه حيث و وقت نشاء. من هنا نحتاج لعناصر قيادية في الدولة و المجتمع ضميرها حي لم يستتر تحت أي عنوان، تقوم بإحياء ما نام أو مات من ضمائر هذا الشعب السوري المسكين. ارجوا من الأستاذ نبيل تخصيص إحدى زوايا شغب القادمات للبحث في خبايا و أفق الضمير كتطوير لما جاء في هذه المقالة الرائعة. أخوكم القاضي (الجمل): سأفعل إنشاء الله ياعزيزي

أتت العطلة الصيفية و الجميع رغم الحرب و الاقتتال في المناطق الساخنة، يبحث عما يملأ هذا الفراغ، قد يبحث التلاميذ عن شيء للترفيه أو للاستجمام ولكن دون شك الكثير سيبحث عن عمل لمساعدة الأهل في تأمين الحاجيات ضمن الغلاء الفاحش. ستجمع المنظمات الدولية مليارات الدولارات لتامين الطعام للسوريين، بينما منذ سنتين و ما قبل كان الاقتصاد السوري مزدهراً رغم نسب الفقر العالية. بعد تدمير البلاد و الاقتصاد مادياً مع العقوبات الاقتصادية الغربية، أصبح السوريون يحتاجون لمساعدات كانت تتكفل سوريا كدولة و اقتصاد بها بل و بالنازحين من لبنان و العراق و فلسطين. ضمن هذا الوضع المتدهور و هذه الأزمة التي أرادوا ان ينهونا حضارياً، علينا كسوريين ان نسبق ما فاتنا حضارياً و ان نقوم بقفزات ثقافية نوعية، كيف؟ مع ما سبق أعلاه، علينا ان نضاعف الجهود و العمل على تأمين متطلبات العيش مع إيجاد آلية لتثقيف الأطفال و الشباب و هذا ما يحتاج لحملة وطنية. أخوكم القاضي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...