تكريم فواز الساجر في الذكرى الـ21 لغيابه: حياة رغم موت الآخرين

26-05-2009

تكريم فواز الساجر في الذكرى الـ21 لغيابه: حياة رغم موت الآخرين

 كنا طلاباً في جامعة دمشق عام 1974 حين جاءنا فواز الساجر عائداً من موسكو بعدما أنهى دراسته في الإخراج المسرحي، جاء ليقيم اختبارات للطلاب الهواة من أجل العمل معهم في المسرح الجامعي، وكانت المحصلة في عرض 'رسول من قرية تاميرا للسؤال والاستفهام عن مسألة الحرب والسلم' للكاتب المسرحي المصري 'محمود دياب'.
في ذلك الوقت لم يكن لدينا بعد معهد للفنون المسرحية في سورية، لكننا نستطيع القول أنّ هذا العمل خرّج مجموعة من أهم نجوم التمثيل والدراما في سورية، أكثر بكثير من أي دفعة تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق- قسم التمثيل، ففي هذا العرض تعرفنا على 'عباس النوري، رشيد عسّاف، فيلدا سمور، ندى الحمصي، والمرحوم محمد حوراني'، وآخرين لا تحضرني أسماؤهم الآن.
تميّز هذا العرض رشحه للمشاركة في فعاليات مهرجان دمشق المسرحي، ومع أنّ هذا المهرجان لم يمتلك آلية لتوزيع الجوائز، إلا أنّ النقاد والمسرحيين العرب أبدوا شبه إجماع على اعتباره من أفضل العروض في تلك الدورة، إن لم يكن أفضلها.
حضرتني هذه الذكرى وأنا ذاهب إلى 'دار الفنون'، في حي القنوات من دمشق القديمة، مساء 16/ 5/ 2009 لحضور أمسية تكريميّة للفنان فواز الساجر في الذكرى الـ 21 لغيابه، وربما يكون هو التكريم الأوّل الحقيقي له خلال تلك الفترة، تكريم لم تتواجد فيه وزارة الثقافة أو نقابة الفنانين، كما غابت عنه عمادة وأساتذة المعهد العالي للفنون المسرحية الذي ساهم الساجر في تأسيسه، تكريم يمكن اعتباره أهليا باسم أصدقاء فواز الساجر وتلاميذه، وبالتعاون مع دار الفنون وموقع الجمل للسيد نبيل الصالح، هؤلاء الأصدقاء والتلاميذ الذين غاب جلهم خلف ارتباطات العمل الدرامي، لكن البهو الداخلي لدار الفنون امتلأ بالأصدقاء ومحبي فواز الساجر، ولفيف من الإعلاميين والفنانين الذين جاؤوا يحتفون بالساجرحسن م يوسف وأيمن زيدان في دار الفنون بعد عقدين ونيف على غيابه.
وحدها الفنانة 'ندى الحمصي' ممن تألقوا في سماء 'رسول من قرية تاميرا' شاركت في هذا الاحتفاء، ولو عبر قراءة رثاء الراحل 'سعد الله ونوس' في صديقه الساجر، بينما تحدث الفنان والمخرج 'مانويل جيجي' عن علاقته بالفنان الراحل، مؤكداً على استمرارية فواز الساجر في أصدقائه وفي تلاميذه، في الأجيال التي تخرجت من تحت يديه، في كل العروض التي نراها على منصات مسارح دمشق 'لأنّ المبدعين لا يموتون، بل يتركون بصمة في الهواء'. كما ذكر أشياء عن حميمية الساجر، نبله الشخصي، وفائه لأصدقائه، وعاد يؤكد على أهميّة هذه الشخصية في تاريخ المسرح السوري 'كان أول من غيّر واجهة المسرح السوري'، مع باقة من الحالمين الذين رحلوا أيضاً كفؤاد الراشد وشريف شاكر وآخرين.
الفنان أيمن زيدان تحدث عن علاقة الطالب بالأستاذ، مؤكداً أنّ الحياة كانت قاسية لفواز الساجر بقدر ما كان رحيله مفجعاً، إذ كان صعبا عليه الانتماء لمكونات هذا الواقع. منذ تعرفت عليه في المسرح الجامعي والفلسطيني، وحتى كان لي الشرف أن أكون أحد طلابه في الدفعة الأولى، مضيفاً: ' تعلمت منه الإصرار على الحلم، كان مخرجاً ومعلماً وصاحب مشروع، واجه التحديات البيرالفنان حاتم علي في دار الفنونوقراطية ولم يستسلم. ومن شاهد آخر عروضه كان يسمع نشيج حلم يواجه تحديا أو يقرأ فجيعة المسرح، فأرجو أن نكون أوفياء لحلم هؤلاء العباقرة'.
الأستاذ 'فؤاد حسن' أحد تلامذة الساجر وقف يستذكر ثلاث نقاط شكلت مفاصل في الذاكرة وفي التجربة الحياتية، تشكل معنى في حياته وطريقة فهمه للحياة والمسرح، كذلك كانت كلمة 'أبو النوري' حارس مسرح القباني الذي اعتبره أسطورة، وتحدث في نفس الوقت عن تواضعه وعن التزامه في العمل وحساسيته تجاه المسرح.
المخرج العراقي جواد الأسدي بعث رسالة في هذه المناسبة تلتها الكاتبة ريم حنا اعتذر فيها عن غيابه، وكيف يعود إلى دمشق وجناحاه فيها مقصوصان: فواز الساجر وسعد الله ونوس. أمّا ابنته 'رفيف الساجر' التي درست المسرح لاحقاً، فأكدت: 'رحل والدي لكنه ترك لنا الحياة مع الكثير من الحب، فدعونا نحب لكي نعيش'.
من جهته، حدثنا القاص حسن م. يوسف عن أشياء حميمية جمعتهما حتى قبيل وفاة الساجر بساعات، وقرأ قصاصة ورق وجدت في حقيبة الساجر بُعيد وفاته، كتب عليها:
'هذا هو عصر الضيق، أكلنا ضيق، شرابنا ضيق، مرتبنا ضيق، مضجعنا ضيق.. عالمنا ضيق، مصيرنا ضيق... موتنا ضيق، قبرنا ضيق... الضيق.. الضيق... افتحموا الأرض والسماء.. سيقتلنا الضيق'.
بعد هذه الأحاديث والذكريات عرض علينا فيلم 'فواز الساجر حياة رغم موت الآخرين' للمخرج ثائر موسى، الذي أعدّه للتلفزيون السوري كي يُعرض في ذكرى أربعينية وفاته، لكن وكما قال 'موسى': 'لأسباب أهمها عنوان الفيلم والشهادات التي ذكرها الفنان نضال سيجري سعد الله ونوس في الفيلم لم يعرض حتى تاريخه، وبالتالي هذا أول عرض له'.
في الفيلم شهادات لوالد فواز الساجر، للكاتب المسرحي وليد إخلاصي، للمسرحي سعد الله ونوس، ولابنته رفيف وكانت طفلة صغيرة في ذلك الوقت. ذكريات عن تجربة الراحل مع المسرح منذ كان صبياً في المدرسة في دور 'جميلة بوحريد' المناضلة الجزائرية، وحتى تجاربه مع المسرحين الجامعي والفلسطيني، وأعماله في المسرح التجريبي، وصولاً إلى عرضه اليتيم مع المسرح القومي قبيل وفاته بأشهر 'أهل الكهف'، للكاتب 'وليام سارويان'، والتي يُقال أنه عبر فيها عن ضيقه، بل تنبأ بموته. انتهى العرض، علت موسيقى الحب والإبداع، إنها مقطوعة 'الفرح' من السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، وكان عريف الحفل يُعلق: 'عطاء سريع، وفاة سريعة، وسجائر لم تشتعل بعد، تمثال أبيض محشور في زاوية مهجورة، في مكتبة كساها الغبار، كتب أهديت باسمه... أهملت في غرفة عامة، مقالة.. مسرحية.. مقالتان.. كتاب.. كتابان.. وماذا بعد ذلك؟'
انتهى الاحتفال، ويبقى السؤال برسم المؤسسات الرسمية، برسم احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية العام المنصرم، والتي ترأستها الدكتورة حنان قصاب حسن عميدة المعهد العالي للفنون المسرحية الذي أسسه الراحل فواز الساجر، لكنها لم تشأ أو لم تنتبه إلى مرور الذكرى العشرين لوفاته! وهو واحد من ثلاث قامات مسرحية تألقت في بلدنا 'أبو خليل القباني، سعد الله ونوس وفواز الساجر'. فإلى متى نبقى نجحد مبدعينا؟ إلى متى نتنكر لأنبيائنا ومثقفينا؟ إلى متى يظل فيلم تسجيلي عن فواز الساجر أعدّ قبل 21 عاماً يشكل خطراً؟ وإلى متى تبقى الرقابة تتحكم بالثقافة السورية وبالإبداع في بلدي؟ ومتى يتاح للأجيال الجديدة أن تتعرف إلى هذه التجربة، بل إلى هذا المشروع المسرحي المُحبط؟

بيبلوغرافيا:
- ولد فواز الساجر عام 1948 في إحدى قرى 'منبج' شمال مدينة حلب.
- درس في مدينة الرقة قبل أن يغادر إلى موسكو لدراسة المسرح.
- حصل على دكتوراه في الإخراج المسرحي من موسكو.
- أسسّ مع سعد الله ونوس 'المسرح التجريبي' في دمشق عام 1977.
- عمل في المسرح الجامعي والمسرح الفلسطيني، وعمله الأخير 'أهل الكهف' كان الوحيد لصالح المسرح القومي عام 1988.
- توفي في 16/5/ 1988 إثر نوبة قلبية عن عمر لا يتجاوز الأربعين عاماً.

أنور بدر

المصدر: القدس العربي

إقرأ أيضاً:

فواز الساجر إلى الذاكرة بعد 21 سنة من التغييب

المسرحي فواز الساجر «آخر الحالمين» و«حياة رغم موت الآخرين»

دارالفنون تحتفي بالمسرحي فوازالساجر..حضور آثر رغم كل هذا الغياب!

فواز الساجر... بصمة في الهواء يتنفسها المسرحيون

حقيقتان و«لو»..عن فواز الساجر في ذكرى رحيله

في ذكرى فواز الساجر: المبدع لا يموت بصمته كبصمة الهواء في حياتنا

اول احتفال على نطاق واسع في ذكرى رحيل المخرج السوري فواز الساجر

دار الفنون تعيد الحياة لفواز الساجر

eSyria: "الساجر".... في دار الفنون بعد 21 عاماً

العرب أون لاين: أصدقاء فواز الساجر ينعون المسرح السوري في ذكراه

جواد الأسدي: دمشق بيوت حنين لا يعود

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...