الحدث الاحتجاجي السوري وحيرة واشنطن المتجددة

04-01-2012

الحدث الاحتجاجي السوري وحيرة واشنطن المتجددة

الجمل: تفاجأت الأجهزة الأمريكية والأوروبية الغربية والسعودية والخليجية والتركية والإسرائيلية بعدم نجاح الفعاليات الاحتجاجية السياسية السورية المدعومة أجنبياً وعربياً لجهة القيام بالإطاحة بالنظام، وبدلاً عن ذلك أصبح المشهد السياسي السوري مخيباً لآمال خصوم دمشق، فقد اكتسبت دمشق قوة أكبر، وتناقصت قدرات خصومها بقدر أكبر: كيف تبدو حيرة خصوم دمشق الخارجيين، وإلى أي مدى بدأت حسابات هؤلاء الخصوم وهي أكثر ارتباكاً، وأكثر تميزاً بالإشارات المتعاكسة التي تحمل نذر اللايقين.. 

* الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية: حيرة واشنطن المتجددة 
سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى بناء شبكة بالغة التعقيد من الأجهزة الأمنية والمخابراتية التي تجد المساندة والدعم بواسطة شبكات الاتصالات المعلوماتي الأكثر تطوراً في العالم، إضافة إلى مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية التي ينخرط في فعالياتها ذوي الخبرات والمهارات العالية لجهة القيام ببناء التوقعات والتكهنات العالية المصداقية، وبرغم ذلك لم ينجح أي واحد من هذه الأجهزة في إعداد سطر واحد يقول باحتمالات اندلاع الفعاليات الاحتجاجية السياسية الشرق أوسطية، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى حيرة واشنطن الحالية على النحو الآتي:
•عدم القدرة على التقاط الإشارات: اندلعت شرارة الاحتجاجات السياسية التونسية بفعل حادثة "سيدي بوزيد" التي أحرق فيها الشاب التونسي "بوعزيزي" نفسه، بما أدى إلى إشعال حريق سياسي شرق أوسطي امتدت تداعياته لتشمل بعض الدول الأوروبية الغربية، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو السؤال الحرج واضحاً من هذه النقطة: لماذا لم تنجح الأجهزة الأمريكية في تخمين تداعيات حادثة سيدي بوزيد؟
•عدم القدرة على توظيف الحدث: خلال الشهر الذي أعقب حادثة سيدي بوزيد، بدا واضحاً أن الحدث الاحتجاجي السياسي سوف تنتقل عدواه وتأخذ طابعاً عابراً للحدود، وبالتالي توجد فرصة لاستغلال وتوظيف ذلك، ولكن واشنطن، سعت إلى التوظيف ضمن المكان والزمان الخاطئ، وبكلمات أخرى، فقد سعت واشنطن لجهة السيطرة على مسارات انتقال العدوى عن طريق توجيهها نحو ليبيا وسوريا، وفي نفس الوقت العمل على إعاقة انتقالها لدول الأنظمة الحليفة لأمريكا كالبحرين مثلاً. والآن، بدا واضحاً أن تخمينات الأجهزة الأمريكية بنقل العدوى إلى ليبيا وسوريا، لم تكن تخمينات موفقة.. فليبيا الآن تنزلق باتجاه محرقة الحرب الأهلية التي بدأت تتسرب أخبارها برغم التكتم الإعلامي حيث تجاوز عدد القتلى 150 ألفاً. ومن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة موجات نزوح ليبي واسعة النطاق باتجاه مصر وتونس والجزائر.. أما بالنسبة لسوريا فقد بدا واضحاً حجم الفضيحة التي أصبحت تحدق بخصوم دمشق الإقليميين والدوليين.. من جراء عمليات الاستهداف المكشوفة.. والتي أدت إلى مزيد من التفاف السوريين حول قيادتهم ..
•عدم القدرة على تخمين العائد: إذ يتوجب على من يريد مغادرة  مكانه أن يحدد إلى أي مكان سوف يذهب.. والذي يريد تغيير قميصه عليه أن يحدد أي قميص سوف يرتد.. ومن هنا يأتي السؤال الحرج واضحاً: لقد ذهب زين العابدين بن علي التونسي، وذهب حسني مبارك المصري، وذهب معمر القذافي ... والآن، من الذي جاء بدلاً منهم!!؟ وبكلمات أخرى إذا كانت واشنطن تستطيع شراء هؤلاء الذين أتوا ، فهل تستطيع شراء شعوبهم لكي ترضى عنهم في الفترات القادمة... والإجابة الواضحة تقول: دعنا ننتظر ونرى إذا كانت الحركات السلفية سوف تبني الدول.. وبكلمات أخرى إذا كانت السلفيات تبني الدول، فلماذا سعت واشنطن إلى محاربة طالبان وتنظيم القاعدة؟؟

* ضغوط الإحباط الامريكي: سيناريو التصعيد المدمر إلى أين؟
سعت جماعات اللوبي الإسرائيلي وخبراء جماعة المحافظين الجدد إلى بناء سيناريو الهيمنة الأمريكية بالتركيز على منطقة الشرق الأوسط، وبإسقاط معطيات السيناريو على أرض الواقع فقد حصدت واشنطن الفشل وخيبات الأمل بما لم تحصد أي قوة كبرى أو عظمى عالمية من قبل، فقد فشلت واشنطن في حرب العراق وحرب أفغانستان، وفشلت في مشروع ضمان أمن إسرائيل، وفشلت في لبنان، وفشلت في بقاء حليفها حسني مبارك، وحليفها زين العابدين بن علي.. ثم بدا واضحاً أنها سوف تفشل في ليبيا بعد أن "غدرت" بالزعيم معمر القذافي الذي وثق بالوعود الأمريكية وقام بتسليم ترسانة أسلحته غير التقليدية إلى واشنطن..
تحت ضغوط الإحباط بفعل إدراك واشنطن المتزايد بأن كل الطرق المؤدية إلى دمشق أصبحت مغلقة وغير سالكة، فقد سعى اليهودي الأمريكي ميخائيل أوهانلون، أحد خبراء جماعة المحافظين الجدد، لجهة القيام بإعداد ورقة بحثية مختصرة، ركزت حصراً على الحل العسكري الأمريكي لأزمة الملف السوري. وفي هذا الخصوص أشار اليهودي الأمريكي ميخائيل أوهانلون إلى أربعة خيارات عسكرية أمريكية هي:
•خيار الغزو العسكري المباشر: أي إرسال القوات لاحتلال سوريا على غرار احتلال العراق، لجهة القيام بعملية تغيير النظام، وأشار أوهانلون إلى أن القيام بذلك يتطلب توفير أمريكا لحوالي 100 إلى 150 ألفاً من القوات، بحيث تبقى لبضعة سنوات، من أجل القيام بفعاليات إعادة التعمير من دمار الحرب، وتشكيل مجرى العملية السياسية المطلوبة في سوريا..
•خيار منطقة حظر الطيران: أن تسعى واشنطن لجهة فرض منطقة حظر الطيران خارج إطار مجلس الأمن الدولي، وبالتعاون مع حلفائها الأوروبيين والشرق أوسطيين. ثم تقوم بتوظيف إجراءات حظر الطيران كمبرر لتدمير القوات السورية، وصولاً إلى إضعاف دمشق ثم استسلامها، وهذا أمر يحتاج إلى فترة أطول وعدد أقل من القوات.
•خيار الحصار البحري: يتضمن سعي واشنطن لجهة حظر الحركة البحرية إزاء سوريا، بما يؤدي بدوره إلى إضعاف القدرات السورية. وهو يحتاج إلى فترة أطول.
•خيار القصف الجوي: يتضمن قيام واشنطن باستخدام قواتها الجوية وقوات حلفاءها الجوية في عمليات قصف استراتيجي شاملة ضد القوات السورية، بشكل يتطابق مع سيناريو قصف صربيا الذي أدى إلى إضعاف صربيا والإطاحة بالنظام وحل أزمة كوسوفو..
وتأسيساً على ذلك، ما كان لافتا للنظر تمثل في تعليق اليهودي الامريكي أوهانلون نفسه على مدى إمكانية نجاحها!!
هذه الخيارات عندما اختتم ورقته البحثية قائلاً: بأنه لا يعتقد بأن جميع هذه الخيارات سوف تحقق النجاح في حل "معضلة دمشق" .. ولكنه يكتفي بطرحها فقط من أجل المزيد من الدراسة والفحص والتدقيق.    


الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...