الجدار العازل ومكاسب النظام المصري من خنق غزة

02-01-2010

الجدار العازل ومكاسب النظام المصري من خنق غزة

الجمل: نشرت وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم, وعلى وجه الخصوص الإسرائيلية, المزيد من التسريبات والتقارير والتحليلات المتعلقة بالجدار العازل الفولاذي الذي سوف يفصل الأراضي المصرية عن قطاع غزة. هذا, وتجدر الإشارة إلى أن السلطات المصرية وإعلامها الرسمي, سعت إلى إنكار أي معلومات تؤكد صحة عملية بناء هذا الجدار, ولكن, لاحقا, غيرت القاهرة أسلوبها, ولم تعترف بصحة بناء الجدار وحسب, وإنما بدأت تسوق للمبررات التي دفعتها إلى إقامة الجدار, فما هي تداعيات إقامة هذا الجدار. على مسرح الصراع في منطقة الشرق الأوسط:
الوضع الميداني على حدود غزة-مصر:
برغم الفترة الزمنية القصيرة, فإن الأعمال الإنشائية تتم بسرعة فائقة في عملية إنزال الصفائح الفولاذية في باطن الأرض على طول الخط الحدودي الذي يمتد فاصلا بين قطاع غزة والأراضي المصرية, وتقول آخر المعلومات بأن العمل قد اكتمل في خمسة كيلومترات, وبعد بضعة أسابيع سوف تتم عملية إكمال الخمسة كيلومترات المتبقية.
تتم الإنشاءات بإشراف أميركي-فرنسي-مصري, وتقول المعلومات بان الصفائح الفولاذية قد تم تصنيعها في الولايات المتحدة الأميركية, وتم نقلها بحرا إلى شامل سيناء, وتقول المعلومات, بان تكاليف بناء هذا الجدار قد تحملتها واشنطن, وبقدر أقل فرنسا, والتي أصبحت تبحث عن دور لقصر الأليزيه في إدارة دولاب الصراع العربي-الإسرائيلي, عن طريق مدخل أزمة غزة, بعد أن فشل قصر الأليزيه في إدارة دولاب الصراع العربي-الإسرائيلي عن طريق مدخلب أزمة جنوب لبنان.
الإدراك المصري الجديد لملف أزمة غزة:
أدت تداعيات حرب لبنان في صيف عام 2006م, وحرب غزة مطلع عام 2009م, إلى إضعاف الدور المصري في الشرق الأوسط, وبسبب تراجع هذا الدور بدا واضحا أن نفوذ الزعيم المصري حسني مبارك قد بدأ يواجه حالة تآكل وانجراف خطيرة.
تشير المعطيات إلى تزايد إدراك القاهرة إزاء ضرورة إعادة القاهرة كلاعب رئيسي في المنطقة, وعلى خلفية أزمة غزة فقد تشكل الإدراك السياسي-الأمني المصري ضمن الخطوط الآتية:
• يتوجب على القاهرة تقليل الضغط المتزايد على نفوذها بسبب تصاعد قوة حركة حماس الفلسطينية, وما من سبيل إلى ذلك سوى أن تنجح القاهرة في فرض صيغة لوقف إطلاق النار تجعل حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية المتمركزة في قطاع غزة في حالة شلل كاملة وعدم قدرة على إطلاق أي صاروخ ضد إسرائيل.
• إعادة تعريف حركة حماس, والنظر إليها كعامل خطر يهدد الأمن القومي المصري والمصالح المصرية في الشرق الأوسط والعالم, فمصر تعتمد على المعونات والمنح وتدفقات رأس المال المباشرة وغير المباشرة التي تأتيها من أميركا والغرب, مقابل قيامها بضبط أمن الحدود الجنوبية الإسرائيلية, وبالتالي, فإن إشعال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عبر قطاع غزة سوف يلحق ضررا بالغا بالمصالح المصرية.
هذا, وتقول المعلومات بان القاهرة, قد بدت أكثر تخوفا إزاء التأثيرات المتبادلة بين أزمة غزة, وأوضاع الرأي العام المصري, بسبب صعود حركة حماس, استطاعت الحركات الإسلامية المصرية, وبالذات جماعة الإخوان المسلمين الحصول على المزيد من الأنصار والدعم في أوساط الرأي العام المصري, وإضافة لذلك تقول المعلومات, بأن صعود قوة ونفوذ جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية, قد بدأ يشكل مستقبل ومصير زعامة جمال مبارك المتوقعة, والذي برغم سيطرته القوية حاليا على الحزب الوطني المصري الحاكم, فإن صعوده لمنصب الرئيس المصري أصبح يتسم بالمزيد من الشكوك واللايقين.
الأبعاد غير المعلنة لملف الجدار الفولاذي:
أكدت بعض التحليلات الصادرة بواسطة منظمة اللوبي الإسرائيلي-البريطاني, بأن اكتمال إنجاز مشروع الجدار العازل الفولاذي بما يغطي حدود غزة-مصر بطول 10 كيلومترات, هو أمر سوف يؤدي إلى حدوث المزيد من التغييرات والتطورات الجديدة في خارطة الصراع الشرق أوسطي, وسوف تتمثل أبرز النتائج الجديدة في الآتي:
• تحقق القدرة المصرية المطلقة في السيطرة على قطاع غزة.
• حرمان قطاع غزة من الإمدادات والمساعدات القادمة من إيران.
• وضع حركة حماس ضمن طوق مصري-إسرائيلي محكم.
• التنسيق المصري-الإسرائيلي الكامل في ترويض قطاع غزة عن طريق الضغوط التي تتم عبر آلية فتح وإغلاق المعابر.
حدوث هذه النتائج الجديدة سوف يؤدي إلى تعزيز قدرة محور نتنياهو-حسني مبارك في احتواء حركة حماس, وترويضها بما يجعلها أداة طيعة في يد القاهرة, وفي نفس الوقت يضمن للقاهرة وتل أبيب أبعاد حركة حماس عن إيران وسورية وحزب الله اللبناني.
التداعيات المؤجلة لملف الجدار الفولاذي:
يرى خبراء اللوبي الإسرائيلي-البريطاني, بأن احتواء حركة حماس بواسطة الجدار الفولاذي العازل, سوف يتيح للقاهرة فرض شروطها على حركة حماس, وبالذات تلك الشروط المتعلقة بعملية سلام الشرق الأوسط, وذلك بحيث تجد حركة حماس نفسها مضطرة للقبول بالآتي:
• إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جيلعاد شاليط وفقا لبنود العرض المصري.
• القبول بالمبادرة المصرية المتعلقة بتحقيق المصالحة بين حركة حماس وحركة فتح.
• القبول والاعتراف بشروط اللجنة الرباعية المتعلقة بعملية سلام الشرق الأوسط: (نبذ العنف-الاعتراف باتفاقية أوسلو-الاعتراف بخارطة الطريق-الاعتراف بالاتفاقيات التي وضعتها السلطة الفلسطينية مع الإسرائيليين).
• عدم إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل.
• منع الأطراف الفلسطينية الأخرى من القيام بإطلاق أي صواريخ ضد إسرائيل.
التفاهم المصري-الإسرائيلي المتعلق باستخدام آليات تنسيق الضغوط على قطاع غزة بعد قيام الجدار الفولاذي, سوف يتيح تغيير قواعد اللعبة, ضمن الخطوط الآتية:
• خلال الفترة الماضية ظلت حركة حماس تؤمن احتياجاتها الإمدادية عبر الأنفاق, وتأسيسا على ذلك, فقد كانت استراتيجية حماس تتضمن المناورة لجهة تحرير صفقة تقوم على أساس مبدأ: عدم القبول بأي هدنة مع إسرائيل, إلا إذا قامت مصر بفتح معبر رفح, وبالتالي في حالة قيام مصر بإغلاق معبر رفح, فإن حماس سوف تنهي الهدنة وتقوم على الفور بإطلاق المزيد من الصواريخ ضد إسرائيل, وحاليا ولما كان قيام الجدار العازل الفولاذي سوف يحرم حركة حماس من الإمدادات, فإن مصر سوف تفرض على حركة حماس عدم إطلاق أي صاروخ, والقبول بكامل الشروط المصرية والتي تفاهمت عليها القاهرة مع إسرائيل, مقابل الحصول فقط على الإمدادات المدنية والإنسانية عبر معبر رفح.
• خلال الفترة الماضية ظلت مصر تعاني من الضغوط الأميركية والإسرائيلية بسبب عدم قدرة مصر على ضبط تدفق الإمدادات لصالح حركة حماس, وذلك بما أدى إلى كسر هيبة النظام المصري, وإفقاده دوره كلاعب في إدارة الصراع الشرق أوسطي, والآن, وبعد اكتمال قيام الجدار الفولاذي, فإن القاهرة سوف تكون هي اللاعب المسيطر على تزويد القطاع بالإمدادات, وسوف تستخدم معبر رفح كورقة ضغط, بحيث إما تحصل القاهرة على ما تريد من واشنطن وتل أبيب, أو تقوم بفتح المعبر لإمدادات حماس القادمة من الخارج.
برغم الاكتمال المتوقع قريبا لمشروع الجدار الفولاذي, وبرغم الطوق المصري-الإسرائيلي المحكم الذي سوف يحول قطاع غزة إلى سجن حقيقي, فإن هذا المشروع, سوف يلقي بتداعياته السالبة على استقرار مصر السياسي, وتقول المعلومات, بان الشارع المصري يشهد حاليا موجة سخط وغضب متزايدة ضد تورط النظام المصري في مشروع الجدار الفولاذي العازل, وتشير تطورات الأحداث والوقائع الجارية داخل مصر إلى الآتي:
• قيام الحركات الإسلامية المصرية, وبالذات جماعة الإخوان المسلمين بحملة شعبية كبيرة ضد مشروع الجدار.
• سعي السلطات المصرية إلى استخدام الوسائل الدينية لجهة التأثير على الرأي العام المصري, وفي هذا الخصوص فقد أصدر الشيخ محمد سعيد طنطاوي رئيس الإفتاء بالأزهر فتوى تقول بان معارضة بناء الجدار العازل الفولاذي تخالف الشريعة الإسلامية.
وعلى هذه الخلفية, فمن المتوقع أن تزداد المواجهات في الشارع السياسي المصري, وهي مواجهات سوف يترتب عليها تنشيط الاحتجاجات الشعبية ضد نظام حسني مبارك, وضد محور واشنطن-تل أبيب, وما هو أخطر يتمثل في فقدان مرجعية الإفتاء في الأزهر لمصداقيتها, بما يمكن أن يؤدي إلى ظهور مرجعيات دينية جديدة تقوم بإصدار الفتاوى التي تسعى لإبطال صحة فتوى شيخ الأزهر, إضافة إلى توريط الأزهر وشيوخه في مواجهة مع الجماعات الإسلامية المصرية.
وصفت بعض الأوساط الدينية فتوى شيخ الأزهر الداعمة لبناء الجدار الفولاذي العازل والساعي لحماية الأمن الإسرائيلي, والضغط على المسلمين الموجودين في قطاع غزة, بأنها فتوى غير شرعية, لأنها تراعي حقوق اليهود, وليس صفوف المسلمين وحسب, وإنما على حساب هذه الحقوق أيضا.
تقول المعلومات والتسريبات, بان لقاء حسني مبارك-بنيامين نتنياهو الذي تم قبل ثلاثة أيام, قد تضمن تفاهما حول كيفية التنسيق المصري-الإسرائيلي المشترك إزاء إدارة أزمة غزة, وأن حسني مبارك قد طلب من نتنياهو القبول على مخطط القاهرة الذي يتضمن عدم التشدد في البداية في إغلاق معبر رفح, وإنما القبول بفتح المعبر لفترة, حتى تهدأ الاحتجاجات داخل مصر, وبعدها يمكن التشدد في استخدام آليات المعابر كوسيلة للضغط, وإضافة لذلك, فقد طلب حسني مبارك من بنيامين نتنياهو عدم القيام بتنفيذ أي عملية عسكرية ضد قطاع غزة, وذلك حتى لا تجد حركة حماس وحلفاؤها المبررات والذرائع الجديدة, وبرغم ذلك, فقد شنت إسرائيل صباح اليوم غارة جوية جديدة ضد قطاع غزة, وبمزاعم تقول بان هذه الغارة قد تمت كعملية انتقامية بسبب إطلاق الصواريخ الأخيرة ضد إسرائيل, وقال بعض المراقبين بأن نتنياهو قد سعى لتنفيذ هذه الغارة بعد لقائه مع حسني مبارك, وذلك من أجل نقل إشارة واضحة للقاهرة, مفادها أن قبول مصر ببناء الجدار العازل الفولاذي ليس معناه أن القاهرة سوف تكون اللاعب الرئيسي, وإنما إسرائيل هي اللاعب الرئيسي الذي يمسك بزمام المبادرة والسيطرة, ويشن الغارات والعمليات العسكرية باستقلال ومعزل عن مصر, ومتى أرادت ذلك, وبالتالي, فإن القاهرة, وإن كانت شريكا لإسرائيل في إدارة أزمة غزة, فإن على القاهرة أن تقبل بدور "الشريك الصغير" حصرا.


الجمل: قسم الدراسات والترجم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...